يعتبر الرثاء من اهم الموضوعات عند الشعراء العرب وفي الشعر العربي، اما في العصر الجاهلي
وهو عصر ما قبل الاسلام كان الشعراء يتميزون في هذا المجال
بمَ تخصّص الرثاء في العصر الجاهلي؟
لما كان الرثاء تعبيرًا عن الحزن بسبب الفاجعة التي أصابت الشّاعر بسبب تفرقة الموت بينه
وبين من يحب، تعدّدت موضوعات
شعر الرثاء في العصر الجاهلي وتنوّعتْ وذلك بتنوّع الشّخص المرثي الذي فقده الشّاعر، فانقسمتْ إلى:
رثاء الأب
فقد كان الشّعراء يرثون آباءهم ويبكون فراقهم، ويتحسّرون على تكملة الحياة بعيدًا عنهم، معبّرين عن
حزنهم الشّديد من فراقهم،
فالأب هو المنجب والمربّي والمعلّم، وهو من يسعى جاهدًا ليحقّق لأبنائه السّعادة ومتطلبات الحياة، فهو
الركن الأساسي الذي
تقوم عليه دعائم البيت، فبه يعمر البيت ويسعد، فإذا ما اقترب منه الموت تفطّر القلب
حزنًا على فراقه، وممّا جاء في المراثي
الجاهليّة قول ابنة حكيم بن عمرو العبدية ترثي أباها من البحر الطويل:
أَيَرجو رَبيعٌ أَن يؤوبَ وَقَد ثَوى
حَكيمٌ وَأَمسى شلوه بمطبّقَِ
فَإِن كنتمُ قَومًا كِرامًا فَعَجّلوا
لَه جُرأةً مِن بأسِكم ذات مصدقِ
فَإِن لَم تَنالوا نيلكم بِسُيوفكم
فَكونوا نِساءً في الملاء المخلَّقِ
وَقولوا ربيعٌ ربّكم فَاِسجُدوا له
فَما أَنتمُ إلّا كَمِعْزَى الحبلَّقِ
رثاء الابن
هذا النوع من الرثاء كان شديد التّأثير والتّمكّن من نفس الإنسان، وذلك لما يحمله من
عواطف صادقة قد صدرتْ عن فؤاد كلٍّ
من الأمّ والأب، فالأم قد حملتْ طفلها داخل رحمها وهنًا على وهن، وتحمّلتْ التّعب والعناء
لتمتّعَ عينيها برؤيته جالسًا بين يديها،
وبعد أن تضع حملها تحنو عليه وتقدّم له العناية والرّعاية والحنان والحب، لتصلَ به إلى
أفضل ما يمكن، وكذلك الأب يتعب ويتحمّل
أعباء الحياة ليؤمّن حياةً كريمة لذلك الطّفل، ثمَّ تأتي صروف الدّهر ونوائبه وتسلب هذا الطّفل
من والديه، فيجد المرء أنّ أبويه قد
جزعا، ووصلا إلى مرحلةٍ من التّوجّع والألم يصعب تحمّلها.
لكن إذا ما قورن بين رثاء الأم ورثاء الأب، فإنّ رثاء الأب كان أشدّ تأثيرًا
في النفوس؛ فبحسب البيئة البدوية للجاهليين وظروف
عيشها فقد تأثّر قاطنوها بصعوبة العيش فقستْ نفوسهم، ولذلك قلّ أن يُرى الرجل جازعًا حزينًا
قد تأثّر بآلامه إلى هذه الدرجة،
بينما المرأة عاطفية بطبعها تتأثّر بكلّ ما يمكن أن يثير مشاعرها[٣]، ومما جاء في رثاء
النساء لأولادهم قول تماضر بنت الشريد
-من الوافر- زوجة زهير بن جذيمة ترثي ابنها قيس بن زهير العبسي الذي قتل في
حرب داحس والغبراء:
كأنّ العينَ خالطَهَا قذاها
لحزنٍ واقعٍ أفنى كراها
على ولدٍ وزين الناس طرًّا
إذا ما النار لم ترَ من صلاها
لئن حزنت بنو عبس عليه
فقد فقدت به عبس فتاها
فدمعي بعده أبدًا هطول
وعيني دائمٌ أبدًا بُكاها